لوحة عليها تجارب للوصول إلى هوية ثمانية الجديدة

صدفة, فقط صدفة مقدارها نصف ساعة غير فيها عبدالرحمن أبومالح فكرته من تطبيق لتوصيل الطلبات إلى شركة للإعلام الرقمي بعد ما فوجئ أمام لجنة تحكيم “حاضنة الأمير محمد بن سلمان للإعلام الرقمي” أن مشروعه – توصيل الطلبات – في المكان الخطأ!

لم يكن لديه شغف بالإعلام, لكن كان مصرا على أن يصنع أثرًا, لتنطلق شعلة ثمانية بتمويل الحاضنة, و يكمل أبومالح الرحلة بعد ذلك بتمويله الخاص, رحلة دامت سنوات, سنوات تكبر فيها الشركة يوما بعد يوم, تزداد وتيرة النمو تسارعا, وتزداد معها الصعوبات من استنكار للشركة و سخرية من أهدافها, لنصل اليوم لأكثر من 126 مليون استماعا وأكثر من 56 مليون مشاهدة على الأفلام الوثائقية, و 18 برنامجا إذاعيا, ولكن لولا أعظم منتجات شركة ثمانية لما برزت كل هذه المنجزات للنور, لما رأينا برامج مثل “احتيال” و “رابط تشعبي” أو وثائقيات مثل “جينوم” و “سياق”, لم نكن حتى لنرى فنجان!

أعظم منتجات شركة ثمانية هو قاسم مشترك بين المحطات الثلاث الآتية التي سنمر عليها, فتمعن بها جيدا.

إستحواذ عام 2021

جمانا الراشد الرئيسة التنفيذية للأبحاث والإعلام خلال التوقيع إلى جانب عبد الرحمن أبو مالح الرئيس التنفيذي لشركة {ثمانية} (الشرق الأوسط)
«الأبحاث والإعلام» تستحوذ على 51 % من «ثمانية» – الشرق الأوسط

في عام 2021 تم الاستحواذ على شركة ثمانية من قبل المجموعة السعودية للأبحاث و الإعلام, أمر طبيعي يحدث للعديد من الشركات, لكن بالنسبة لثمانية الأمر كان مفاجأة؛ فثمانية رفضت عددًا من الاستثمارات والاستحواذات تجنبًا لوضع الشركة تحت وطأة البحث عن المال مما يؤثر على الجودة و القيمة التي تقدمها, و هذا ما اشترطته ثمانية أثناء الإستحواذ بأن تكون حرة في المحتوى الذي تنتجه و هذا لا يعني أن أبومالح يفرض المال بل على العكس من ذلك أبومالح كان على يقين بأهمية المال منذ اللحظة الأولى لمولد شركة ثمانية, حيث أدرك أن استمرارية المحتوى القيم و استقلاليته تعتمد على قدرته على توليد مدخول, وإلا اضطررت للخضوع إلى تمويل شركات المحتوى حينها – أي عام 2016 – و التي لم تكن مرضية البتة لـ أبومالح و عزم على عقلية الاستدامة تلك عبر تطبيق فكرته بنفسه – وهو لا علم له بالإعلام أبدا حينها – و قرر بدء ( فنجان ) الذي يقدمه هو بنفسه؛ ليضمن استدامة البرنامج ليكون هو باكورة انطلاق العديد من البرامج الأخرى.

كواليس ثمانية 2022

الصورة المصغرة الخاص بفيديو "كواليس ثمانية"
كواليس ثمانية – يوتيوب

“كواليس ثمانية 2022” هو عنوان فيديو نشرته الشركة بحسابها الرسمي على منصة اليوتيوب, فيديو فكاهي, يُظهر استياء الموظفين من عدم رضا أبومالح الدائم وأنه لازال يبحث عن الأفضل, الفيديو به الكثير من المشاهد الظريفة و الأهم هو صدق ما يرويه من مشاعر يشعر بها من يعملون بثمانية و الشركة لم تمانع ذلك أبدا بل طبقت “الشفافية” بحذافيرها, حرفا حرفا, فحتى مشاعرهم يعبرون عنها علنا لنرى في الصورة المصغرة للفيديو رسموا لـ ( أبومالح ) قرونًا وذيل شيطان كنوع من المزاح.

ولا يبدوا أن مبدأ الشفافية ظهر مؤخرا في الشركة, بل هو متأصل فيها إلى الجذور, فحتى الفيديوهات القديمة التي صورها عبدالرحمن أبومالح بنفسه في بدايات الشركة لازالت موجودة على الحساب الرسمي على يوتيوب, فالشركة أصرت على إظهار الماضي بحلوه ومره كما هو بعثراته حتى يتعلموا هم أولًا وغيرهم من أخطاء الماضي, بل ليفخروا بالرحلة, فمثل تلك الأشياء تصبح بمثابة ظلٍ لإنجازاتنا ترينا حجمه الحقيقي.

و تطبيقًا للشفافية قامت ثمانية بالإفصاح عن المبادئ الضابطة لبيئة العمل الداخلية للشركة إلى جانب التطبيقات التي يستخدمونها في ما أطلقوا  عليه (دستور ثمانية) و دائمًا ما تؤكد الشركة على التزامها بتطبيق تلك المبادئ أو حذفها إن لم يعودوا يلتزمون.

وتسعى الآن شركة ثمانية اتخاذ خطوة أكثر جرأة بالسعي في الكشف عن جميع أرقام الشركة الداخلية لحظة بلحظة على الإنترنت حتى يتمكن أي أحد من رؤية و متابعة الأرقام بدقة ولا ينتظر حتى نهاية العام لتعلن عنها الشركة.

والشفافية حتى مع أنفسهم فتحذف شركة ثمانية العملاء الغير نشطين على نشراتها البريدية بشكل دوري. فهي تريد فقط الأرقام الحقيقية, لا التباهي بملايين لا يقرؤون نشرتها البريدية, تريد أرقام تعبر عنها, تريد أن تكون شفافة مع نفسها قبل أن تكون شفافة على الآخرين,

هوية شركة ثمانية 2024

لوحة عليها عدد من التجارب للوصول إلى هوية ثمانية النهائية
لماذا غيرنا هوية ثمانية ؟ – ثمانية

في أحد اللقاءات حكى أبومالح عن أحد أصدقائه الذين سألوه عن هوية ثمانية الجديدة و ما هو الاستوديو الذي قام بتصميمها و لكن أبومالح عجز عن الإجابة, لأنه ببساطة لم يكن هناك استوديو واحد أو شخص واحد عمل على هوية الشركة بل فريق بأكمله, آمن به أبومالح و آمن أنهم أفضل من السوق وأن ذوقهم سيقود إلى الهوية التي يريدها, و بالفعل الفريق استطاع التواصل مع عدد من الاستوديوهات و المصممين حول العالم و التنسيق بينهم للخروج بهوية فريدة و غريبة عن الموجود بالسوق, و لكن بنفس الوقت تعطي هذا الشعور بالأصالة و أنها امتداد طبيعي للذوق العربي.

و لم يكن أبومالح يجرب حظه في الإيمان بمن حوله فهذه فلسفة الشركة في علاقاتها مع كل من يعمل بها، فتجد أن كل مقدم برنامج, كل كاتب محتوى, مدير نشرة بريدية, هو مدير التحرير لعمله, له كل الصلاحيات ليبدع, يوظف من يشاء, و ليس لهم ميزانيات محددين بها, لينفقوا ما شاءوا من الأموال فيما يرون أنه سيقدم لهم و لبرنامجهم الأفضل, و لا يوجد عدد أيام إجازات محدد, حتى إن طلبت أربعة أشهر إجازة متواصلة, فلك ذلك, “نحن نؤمن بك”, ولك حرية العمل من أي مكان تريد, و أنت من تختار مواعيد التسليم الخاص, من الوهلة الأولى تبرز لنا جرأة هذا النموذج في العمل و لكن الخوف من كسل الموظف, أنه يكذب وغيرها من الحجج التي تقتل الإبداع, هذا الخوف, أو هذا الخطر تكلفة حدوثه أقل بكثير من تكلفة التخلص منه, ولذا كان من العقل والمنطق هو إتخاذ نموذج جرئ بهذا الشكل, لم تعهده المؤسسات الإعلامية في بلادنا من قبل.

أعظم منتجات شركة ثمانية هو . . .

البطل في المحطات الثلاث التي مررنا بها رغم أنه لا يكاد يرى, و لولاه لما حصلنا على هذا الكم الوفير من الوثائقيات, الربامج أو حتى حلقات فنجان, فالأمر بسيط المال كان بأيدي من سبوقها و لم يصلوا إلى ما وصلت إليه من محتوى قيم و جذاب, و ظلت بأيديهم الصناعة لسنوات في ركود, لكن ثمانية قررت الإيمان, الاستدامة, الشفافية, حب المخاطرة, الفخر, التعلم من العثرات, و صناعة أعظم منتجاتها و هو الثقافة.

و لقوة تلك الثقافة, تجد مبادئها و جذورها تدفع بالشركة دفعا لنشرها, فتطبيق ( راديو ثمانية ) التي تسعى من خلاله ثمانية إلى مساعدة صناع المحتوى العربي المسموع و إلى الاستدامة و صناعة محتوى ذو قيمة, و ( موقع ثمانية ) الذي سيقدم منصة ذات تجربة فريدة للكتاب بأقلام عربية,  سيتحولان من مجرد منصات داخل سوق صناعة المحتوى, إلى نموذج معياري, و غير المألوف هو الخروج عنه و بالطبع من تربى داخل جنان ثمانية لتحصل عليه يجب أن تصنع له مثل تلك الجنة و بالتالي تتأصل الثقافة أكثر و أكثر في عدد من الشركات الأخرى و دواليك هذه المتتالية حتى تتجذر ثقافة شركة ثمانية لنراها تعيد تشكيل الصناعة بأكملها في الوطن العربي فتنتقل من كونها ثقافة لشركة واحدة إلى عادات و أعراف في الصناعة كما حدث من قِبل شركات كبرى مثل Google و Amazon اللذان لضخامتهما حددتا الشكل المثالي للثقافة التي يجب أن تكون عليها الشركة الناجحة, و يبدو أن وطننا العربي يسير الحذو ذاته لينتشر أعظم منتجات شركة ثمانية.

كلمة أخيرة 

كتبنا تلك المقالة لأن شركة ( ثمانية ) رغم ما حققته من نجاح, لم يُكتب في حقها ما يبرز تفاصيل, لولاها ما كنا لنرى ( ثمانية ) كما هي اليوم, صديق في الدرب, بداياته تشبه بداياتنا و ثقافته تشبه ثقافتنا و بدأنا معا في العام نفسه . . . 2016.

المصادر :

التعليقات معطلة.